منذ أن غادر رئيس الدولة ميشيل سليمان مكتبه نهاية شهر أيار/مايو٬ شهد لبنان فراغاً رئاسياً لقرابة ستة أشهر. وبالرغم من تحديد النصاب القانوني خلال الجلسة التشريعية الأولى في نيسان/أبريل، لم يحصل أي من المرشحين على عددٍ كافٍ من الأصوات للفوز بأغلبية الثلثين. تم تأجيل خمس عشرة محاولة بعد ذلك لعدم اكتمال النصاب القانوني، إذ إن التحالفين الرئيسيين، ١٤ آذار و٨آذار، ما زالا مختلفين على مرشح رئاسي توافقي. قد يبدو هذا أنه أحد عناوين المجلات الساخرة لكنه واقع محبط للبنانيين.
عواقب الفراغ الرئاسي عديدة. فوق كل شيء، المخاوف المشروعة حول استقرار لبنان وقدرة مؤسساته السياسية على العمل بشكل فعّال. إضافة إلى أن هذا الفراغ أثبت أنه يسبب عجزاً في نواحٍ عديدة من العمل المؤسساتي، وخاصة على صعيد مجلس الوزراء، كما أنه ساهم بعدم القدرة على إجراء انتخابات طال استحقاقها. القضية في هذه النقطة هي أنه في حال استقالة الحكومة لأي سبب، فإن غياب الرئيس سيعني أنه لا يمكن إجراء أيّة استشارات برلمانية لترشيح رئيس وزراء جديد. إضافة إلى ذلك، كل من الوزراء الأربعة والعشرين يستطيع بمفرده نقض أي قرار للحكومة وبالتالي يضع البلد في حالة فراغ قانوني. في حال وجود رئيس منتخب، العرف هو الإلتزام بأغلبية بسيطة أو أغلبية الثلثين بحسب الموضوع المطروح .على الرغم من أن البرلمان لم يستطع انتخاب رئيسٍ جديد، غير أن أغلبية أعضائه صوّتوا على تجديد فترة ولايتهم لأربع سنوات. حدث هذا مؤخراً في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٤ عندما تم تمديد تفويض البرلمان لمدة سنتين وسبعة أشهر، والعام المنصرم أيضاً في ٢٠١٣ عندما تم تمديد ولاية البرلمان لعام وخمسة أشهر على أمل الإتفاق على قانون انتخابي جديد. على الرغم من أن أوساط المجتمع المدني تقدّمت بعدة مقترحات لقوانين انتخابية، فإن البرلمان اتخذ إجراءات قليلة بالكاد تكون ملحوظة في هذا الشأن، مما جعل مدّتي التمديد تصلان إلى أربع سنوات أو ما يعادل ولاية برلمانية كاملة.
بالنسبة للعديد من اللبنانيين، هذا التمديد مُحبِط، خاصة لأنه يعني أنهم لن يكونوا قادرين على ممارسة حقهم في التصويت. كما يحاجج البعض بأن الإنتخابات البرلمانية تم إجراؤها في ظروف صعبة كانتخابات ٢٠٠٥ التي عُقِدت بعد فترة قصيرة من اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري. غير أن معظم اللبنانيين يدركون حقيقة أن أي انتخبات برلمانية يمكن أن تجري في هذه المرحلة لن تفضي في الغالب إلى أي تغيير ملموس في ظل الإنقسام الحاد بين الكتلتين المتنافستين الرئيسيتين، ١٤ آذار و٨آذار.
في مقابلة في جريدة السفير مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، عبر المشنوق عن مخاوفه أن لبنان قد يشهد في السنوات القادمة اضطراباً على مستوى غير متوقّع في المنطقة. وسواء أكان في هذا الأمر مبالغة أم لا، فإن المشنوق يرمي بشكل واضح للدفاع عن موقفه بأن الوضع الأمني لا يسمح بإجراء انتخابات برلمانية في هذه المرحلة. قد تكون هذه محاولة من قبله لدحض الحجة القائلة بأن تمديد تفويض البرلمان يهدد النظام الديمقراطي في لبنان.
على الرغم من أن عدداً كبيراً من الناشطين، والمؤسسات والمنظمات الشبابية عارضوا تمديد ولاية البرلمان للمرة الثانية (وهذا أدى إلى حملة شهيرة في أيار/مايو العام الفائت حيث قام الحراك المدني للمحاسبة بإلقاء البندورة على سيارات المشرّعين المارة فيما عُرفت "بثورة البندورة" كما أرسلوا إلى أعضاء البرلمان صناديق من علب البندورة عليها ملصقات مكتوب عليها "لا للتمديد")، تم إقرار التمديد هذا العام بعدد صاعق من أعضاء البرلمان الذين صوتوا لصالحه: خمسة وتسعون عضواً من مختلف التيارات السياسية مقابل صوتين معارضين. ثلاثون عضواً آخرين قاطعوا الجلسة كتعبير واضح عن موقفهم ضد التمديد.
بعيداً عن الإستشهاد بالوضع الأمني المتدهور في البلاد، فإن مؤيّدي تمديد ولاية البرلمان، بشكل رئيسي من تحالف ١٤ آذار، يجادلون بأن معارضة كتلة التغيير والإصلاح لهذا التمديد تهدف فقط لكسب الشعبية بين عناصرها. لو أن أعضاء البرلمان المنتمين إلى هذه الكتلة كانوا جادّين في موقفهم، لكانوا استقالوا من البرلمان كما حذّر خصومهم بالعادة. امتناعهم عن القيام بذلك ظهر استعدادهم للبقاء في مناصبهم الحالية. بشكل فاعل، إن كل من المويدين والمعارضين للتمديد سيحصدون منافع تجديد ولايتهم. ففوق كل شيء، هم غير مضطرين للقيام بحملات مكلفة والمخاطرة بخسارة الإنتخابات. بالنسبة للمواطنين في الشارع، فإن ممثليهم البرلمانيين قد أمّنوا دخلهم العالي نسبياً للغد المنظور بالإضافة إلى جميع الميزات التي يتمتع بها عضو البرلمان.
بغضّ النظر عن الأسباب التي تقف خلف عدم القدرة على انتخاب رئيس أو إجراء انتخابات برلمانية عامة، يبدو أن القادة السياسيين في لبنان غافلون عن المخاطر السياسية والأمنية التي تُهدد البلاد. يعتقد العديد من اللبنانيين أن قادتهم السياسيين لديهم القدرة لو أرادوا على إجراء الإنتخابات البرلمانية الرئاسية، وألا ينتظروا قوىً خارجية تفرض إرادتها عليهم. لكن لسوء الحظ، أن معظم السياسيين، بسبب ولائهم لهذه القوى، يفضلون إعطاءهم الكلمة العليا في الشؤون اللبنانية. إن كان هذا الشعور العام حقيقياً، فإن أيّاً من الإنتخابات لن تحدث في أي وقت قريب.
---
ترجمة علا صالح من الإنجليزية